Pages

02 November 2013

النوى .. مرة أخرى


لم يكن اليوم أي شيئ سوى يوم إعتيادي مثل بقية أيامي مذ أُذِّنَ النشورُ في دنياي ذات يوم حزيراني لندني لم أكن أحسبهُ  إلا ثمة يوم آخر من أسبوع  متعب شأنه شأن غيره .

ليس فيه أَلمٌ لم أعشه منذ لا أعلم متى و لا شعورٌ لا أدري ما أسميه قاسيته مذ فرغ المكان و تُركت فيه مثل قطعة أثاث تنتظر شيأ ما بفارغ صبر الجماد،  و لا يجيئ . الجدران ذات الجدران و الهدوء المريب القاتل الموحش الجبار هو هو، ذاته لم يتبدل .  و لا حتى نقرات النوى على عصب محدد في جمجمتي المتعبة و دماغي الممتلئ بكل مشاعر الشوق اللاهب المستعر و الحب الجارف و الغضب العارم الذي يريد له منفذا ليخرج و يكسر كل ما و كل من إرتطم به و اليأس و اﻹحباط و الثورة، كلها بآن واحد .

حنيني إليهم هو هو و ما زلت أصارع حتى لا يصرعني و أهوي و أعترف بذلك الذي عشت عمري أنكره و وجوده بل و حتى كلمته، و هو حالة الهزيمة، و ما زلت . هي هي عينيها لم تتبدل مذ كنا طفلين نلعب ؛ هو هو شبق كل الصباحات التي لم تزل هي أميرتها و تزيد .  لا أدري ما قصة النوى و ربع نوتته الحزين، الشجي، السهل الممتنع، العصي الرقيق الحاظر الغائب، الموجود اللا موجود، و إياي . ترى ما يخبئ لي دوران الفلك في زاوية عمياء في مرآة الغد اﻵتي؟

أعرفه ذلك النذير و أعرف شبحه العاش معي منذ لا أدري متى . أعرفه و يعرفني هو و يحاكيني بتلك النغمة منك يا أحلى اﻷنغام و أعصاها و أسهلها فهي فيك بنت خمس بعيني و هي فيك في كل هزة من كل ريشة عود بغدادية .. أعظمية الهوى، كرخية الجذور و إن أبت .. و هي فيك يا أنت كل بغداد، لأنها أنت و أنت أبدا تداعيات رجل يعبر اﻷرض الحرام للمرة المليون مذ أبصرت عيناه ضياء الحياة و حتى الثانية . و هي أبدا تضل ما ينافس مكانها في الروح مخلوق آخر .

هم فيك كلهم و أكبرهم، بكرهم، في كل إرتعاشة يد تعزف و ترفع و تبسط الدنيا و لا تقعدها بحثا عنك يا حبيبي، كما أنت وليدا لاقت عيناي عيناك الحبيبتين مذ أبصرت النور و آذنت لفؤادي المحزون أن يفرح، و يهدأ بكائك . و هن فيك ثلاثة أميرات يحملن كل جمال كانون و كرم تموز عراقي بهيج  و نعش أبيك و أبيهن بات قاب قوسين أو أدنى مما يلقى من فرط ما حل بكم و به.

و لم أزل أسأل نفسي فيك يا نوى  و أعجب كيف و لماذا و متى شربت كاسك يا أيها المهيب الغريب البغدادي الشهيد الحاظر الغائب؟

ربما آن لي أن أتوقف عن السؤال و أرفع قلمي و أرميه مسلما أن كل محياك في محياي و لي أن أرى دورة زماني الصغير في كونك اللا متناهي .. ﻷنك النوى .. كنت، و زلت، و تكون مرة أخرى .. و كفى .

إنتهى .