في زمن ما .. في الخط الفاصل ما بين الوجود و العدم، يولد من رحم الأحداث شيئ. يفترض أنك تحبه. ترنو إليه. ترعاه كما يرعى الفلاح نبته في أرضه - يخاف عليها الريح العاتية و السيل العرم و الجفاف و الصيهود و العطش: ترويها قطرات دمك لتكبر فتتفتح و يشتد عودها لتصبح باسـقـة مـثـمـرة تفيئ جمالا و بـراءة و تـدر خيرها حباً و سلاما دونما تساؤل و لا تردد.
هكذا أعلم، أو على الأصح هكذا كبرت و تربيت - و أتكلم عن نفسي بالذات خشية أن أتهم بالتعميم و هذا هو مربط الفرس: يبصر المرء حوله فيجد أن الفلاح - الأب - الذي يفترض به الحب و الأمانة يتحول إلى مسخ شيطاني و عشب قميئ يمتص رحيق نـبـتـة بالأمس كانت رعـيـتـه تماما كـصـانع الـدمى يـحـركـهـا بـخـيـوطـه الـخـبـيـثـة كيفما و أنّـى شاء فيما المولود الذي لم يعد رضيعاً يـعـلـم بالحرف ما يجري و يمضي إلـيـه قـانـعـاً طـائـعـا - و أفـيـونـه المميت يـصـيـح بـه: إنـهـم أهـلـي. و المصيبة الكبرى تأتي حين تـخـلـع الأقـنـعـة و تـتـعـرى الـوجـوه و تـدور الـدوائـر و تـنـعـكـس الآيـة: حـيـنـذاك يـغـلـب الـطـبـع على الـتـطـبع و تـبـرز الأنـيـاب الـوحـشـيـة تـروِّل و تـزبـد و تـرعـد و إزميل المـعـلـم الـذي صـنـع بالأمـس يـصـيـر خـنـجـرا مـسـمـوما عـنـد أول بـادرة أمر يتيح لهذا المخلوق الجميل الخالص النقي البريئ الذي صنعه هو بالأمس أن يمضي سبيله في دورة الحياة - حياته - لا حـيـاة الـفـلاح و حـيـواة كل الـحـشـرات الـبـائـتـة في أرضه تـمـتـص إكـسـيـر الـحـيـاة مـنـهـا و هي في مـكانها قـابـعـة لـيـسـت أكـثـر و لا أقل من دمـيـة بـخـيـوط تـمـشـي حـيـث تـسـاق. ألا تـبـاً و تبً ثم تباً و تبا.
لعمري: فإن في اليقين بين الوجود و الحـقـيـقـة يـقـبـع الـقـدر الآتي لا مـفـرَّ مـنـه - ذلك اليقين الراسخ الوحيد في الحياة و هو أن كل أمر إلى انقضاء و أن آخرها المـوت و الـبـعـث و الـنـشـور. تالله - سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
إ نـ تـ هـ ى