Pages

26 May 2013

لقد فهمت ..

علق في ذاكرتي من أيام الصبا حديث دار بين شخصيتين من شخصيات "في بيتنا رجل"  ﻹحسان عبد القدوس .

ليس المهم كيف تدور الرواية، على الحقيقة،  بالرغم من كونها حبكة جميلة أكثرها حقيقي، صاغها أستاذ معلم؛

لكن تلك العبارة الجبل هي عندي عمودها: ساعة لاقاه  ورف اليه و أراد أن يعانقه،  لكن شيئا ما في محياه البارد و عباراته الساخرة المتهكمة الشامته فاجئه، سمر قدميه في مكانهما .  تذكرت موقفه  و أنا أحدثه صديق عمري،  أو هكذا حسبت .. أسير غضبان الخطى على أرصفة برلين في ساعات الصباح اﻷولى،  و المطر بلل حتى عضامي،  و لم أحسَّ به،  مسافة ما بين داره التي تركتها ألعن كل لحظة قررت فيها زيارته ،  متوهما وهم الساذج المطمإن أنني أزوره شق روحي الثاني الذي ما صدقت أنني وجدته .. و بين  ذكريات ضهر تموزٍ اللاهبِ في أرض كانت كل ذرة من ترابها تعرفنا معرفة الوالدة الرؤم بولدها الشقي الأسمر الأحرقته شمس بغداد، و بين أمطار برلين و ليلها و أرصفتها،  ضيعني حنيني .

كنت ما أزال على وهم يقيني أنني أركض معه نُطّيرُ طيارة صنعناها لتونا أو ندور نبحث بين البيوتات عن بنت الجيران الحوراء،  علنا نجد من محياها مسترق نظرة أو إبتسامة كانت شفقة أو إستهزاءاً، لست أدري، لكنها على كل حال كانت إبتسامةو كنت أتصيدها إصطياداً .  تذكرت كيف أنّني أفزعني طيف في منام و أراني في ذلك الكابوس ألاقيه بين زحام الناس فلا يعرفني، و إن تكن ملئ عيني عيناه ؛  و لا يعرفني و أفزع من كابوسي الذي أرقني ليالٍ،  ليلة فليلة.  كتبته قرضا من الشعر أول ما أفقت و يحملها البريد إليه .. تصله فيكلمني و كلانا يجهش عبرة و ألما.

ثم إفترقنا عقدين و كلانا يفتش عن صاحبه سنينا .  لم أكن أحسب و لو خيالا، و لو شبحا من يقين، أن كابوسيَ سوف يتحقق بالحرف و يزيد فوق الصدمة كل ما دار في الثمانية و اﻷربعين ساعة المشؤمات تلك ، أنني فوق كل ذلك لم أعرفه - لا في زحام الناس و لا في وقع خطاي  و لا مسافات الزمان و المكان و لكن مسافة ما يرتد الطرف إلى العين و هو يتفوه بكل ترهات اﻷرض و تفاهاتها المجنونة .

أواه .. لم أفهم ..
ويحي .. لم أفهم ..
ثكلتني أمي .. لم أفهم ..

"و اﻵن فهمت .. و قد كنت بحاجة ﻷن أفهم"

إنتهى.

No comments: