Pages

21 February 2015

في الإرهاب و الإرهابيين - الجزء الأول

"من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (المائدة ٣٢)


مقدمة 


إثنا عشرة قتلى. تقوم الدنيا و لا تقعد فذلك قتل إمرئ في غابة و هو جريمة لا تغتفر و هدايا أمريكا و جحفلها متوجة ماتم يومية منذ عام ١٩٩٠ و حتى اللحظة، في كل بيت من بيوتات العراق من زاخو إلى الفاو بالالاف و أجنته أحياء أموات قبل أن يولدوا مسوخا آدمية، ألا تعسا للنووي و من جاء به - تلك مسألة فيها نظر لكونها قتل شعب آمن. بداهة النفاق الذي تعودناه و لا جديد في الأمر.

و الجواب المعهود: إرهابيون مسلمون و جنود تحرير. تلك هي المقارنة الفريدة من نوعها صنعت خصيصا للمستفيد من شعوبهم، شعوب الله المختارة،  و السذج من يسمون مثقفيناعلى التتابع، حين المقارنة بموت ملائكة البارسيين اليهود على أيدي المسلمين القتلة و موت الشياطين المسلمة بمعول الموت يسله بوش القذر و ذيوله الأقذر منذ عام ١٩٩٠، و سوي الأمر لا عتب و لا زعل.  لا شيء جديدا حتى الآن.

و اطروحتي: الإرهاب نعت بات ملازما للعربان و المسلمين مذ كورت مسلة عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، و صك غفران مفضوح، أو على الأقل مفضوح للمساكين أمثالي.  فما العلة؟ أين ابتدأنا و كيف إنتهينا إلى ما نحن فيه؟ سهلة هي عملية تعليق العلل على الشماعات، لكن هل في الأمر أكثر من ذلك، و هذا ما أزمع أن أبحث فيه لعل في الجواب أفيون مسكن، فإنني أعلن منذ البدء أن لا علاج عندي و لا مرهم، و أني سئمت حتى ألسؤال .

تأريخ من وحي الثورة


١٩١٨ - أحدهم يسمى "الشريف" حسين، يطلق طلقة من بندقيته، بشكل درامي عهد البدو عليه، و يعلن أنه "ثار" على التعسف العثماني ثأرا لأبناء جلدته - هذا إن كانت القصة حقيقية، فالله في علاه جل و عز سخط شدة كفرهم و نفاقهم.  أيا كان الأمر، زعم الشيخ أن يثور و ثار، و بينه و بين بني أخواله من قوم مكماهون كل الود و ضماناته لهم "باحترام مصالح بريطانيا في جنوب العراق"[1] فالأمير المفدى "طويل العمر" له أن يهب ما يشاء مما لا يملك إلى من لا يستحق، و كان له من بني أخواله العون بإبن الخال لورنس، إلخ.

و لنتوقف لحظة: محمد ولد إبراهيم الخليل  صلى الله عليهما و سلم عراقي عربي، جاء بالإسلام رحمة و سلاما للناس، و "لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى" صداها كلمات الفاروق إبن الخطاب رضوان الله عليه "متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" يوبخ بها جبلة ابن الأيهم الذي ضرب الأسود و هو يطوف الكعبة المشرفة، ناهينا عن أن "الشريف" غير الشريف دعواه من شرف مفترض مردها بيت النبوة الطاهر، ألا بريء محمد و آله من هؤلاء، هذا من جهة.

و من جهة أخرى ، فإن الخلافة العثمانية على علاتها لم تكن لتؤل إلى ما آلت إليه و تنحرف بشكلها الذي قاد بها إلى هلاكها لولا خيانة أهل القرآن لها، خيانة وشحت بوشاح العهر البراق الذي سماه "الشريف" و أخواله "الثورة العربية الكبرى".  و من جهة ثالثة، جاء القوم بنظيره القذر مصطفى كمال الدين، و حتى الإسم نكتة سوداوية، و خلعوا عليه لقب عظيم الترك (أتا ترك) و إكتملت الخلطة أو كما يقول أهلنا العراقيون "كملت السبحة".  حياكة محكمة حاكها عرابو لندن و باركتها أيادي لصوص الليل في أوروبا و أمريكا و بلاد العربان ممن حاك و سهر و خطط، و لا ننسى من فصل و لبس في القدس المباركة، ألا تبت أياديهم جميعا.  و مسك الختام؟ جاء "الشريف" يتبختر عودا إلى مكة من مقفرة الأردن عام ١٩٢٢ و هو خالع لقب "أمير المؤمنين" على نفسه "الشريفة".  مهزلة يعربية بكل ما في الكلام من معنى و تأريخ مخز مقزز.

و للنظر إلى ما وقع النقع عليه: ساحة خالية تماما و باب مفتوح على مصراعيه لإخواله أصحاب العيون الزرق يصولون و يجولون فيها و يعلن فيها الجنرال النبي (Allenby) نهاية الحروب الصليبية بعد أن دخل القدس الشريف عام ١٩١٨[2]، على جثث الحامية العثمانية التي رفضت الاستسلام حتى آخر جندي لها، نفذت ذخيرته و لم يملك إلا  يديه يحارب بها - كان عددهم ينيف على العشرة آلاف، قتلوا  عن بكرة أبيهم و ما بقي منهم نافخ للنار، ألا طوبى لهم شهاداتهم و حسنات ثقلها سيئات خونة الأرض و عرض السماوات و الأرض.

و أكثر من ذلك: أكمل عظيم الترك دوره بكل مهارة و سقطت راية آخر خلافة إسلامية و مذا بقي لكل مسلمي العالم: لا شيء و لا راية و لا منبر يقودها و لا أرض لها، بل و لا حتى أعراضها سلمت، و محصلة تلك أن بابا آخر فتح على مصراعيه على خلفية فراغ و تخلخل هائل ولدته تلك الأحداث: إنعدام و فقدان تام لأي شكل من أشكال القيادة الفكرية أو العقائدية لا للمسلمين فحسب و لكن كل سكان الوطن الذي لم يعد عربيا إلا بالإسم ، و دعوة مفتوحة لكل من هب و دب من معتوه و سافل و دون ليدعي أنه يمثل الإسلام و يذهب فيقتل بإسمه و يحرم و يحلل باسمه و يبيع ما لا يملك و ينهب ما يشاء بإسمه و الأداة أمريكية المصنع صهيونية المنبع يعربية الصبغة ، تسمى داعشا أو قاعدة و سم و كل ما تشتهي من سفرة لا تنتهي -   و في هذا مدخل المبحث التالي عن قريب نكمله أن شاء الله.

(يتبع)

---- 

المصادر 

[1] Antonius, George (1935), The Arab Awakening: The Story of the Arab National Movement, Simon Publications (2001 reprint), ISBN 987-1931541244
[2] Bruce, Anthony (2002). The Last Crusade: The Palestine Campaign in the First World War. London: John Murray. ISBN 978-0-7195-5432-2.

No comments: