Pages

14 January 2017

و يطلب عند الناس ..

كثيراً ما كنت أتندر مع أبي الحبيب رحمه الله في شرق الأمور و غربها و يؤرقني أمر يفيض عن شفاهي جاهدا ما حاولت أخفيه: كيف أنني حين أكون في مواقف الآخرين فإنني ما كنت لإتصرف مثلهم و كيف أن الأمر سذاجة و غباء من جانبي. كيف أن المجحف و الخبيث و اللئيم و الحاقد لا بل و حتى المجرم ربما يكون هو الصحيح و الحال المفترض و كان رحمه الله يرد علي بهذا البيت المعجزة الآتي من معجزة. كنت أقهقه تارة و أتحير تارة لا بل و أرد عليه حنقا أنه يقول قوله و العبد الفقير ولده و ذلك داعي فخر الأب بولده، و هو يجيبني بصمته المليء كلاما.

أدركت اليوم أنه، و مع الفرق الشاسع، فرق الثرى و الثريا، بين الكبير المجلجل الذي أكسب المتنبي إحترامه رغما عنه، و ذلك ليس إلا سيف الحمدانيين، و بين شبح البشر العبد الفقير الذي يكتب هذه الكلمات، فإن كلا منا لا يملك يزيد أو ينقص في رده و تصرفه في أي موقف كان عن رد فعل ذاته الحقيقية، تطفح على السطح رغما عن أنفه و كل زيفه الإجتماعي؛ ففي كل موقف و كل منعطف تطفو الروح فوق الجسد و يغلب الطبع على التطبع.

و يَطلُبُ عِندَ النَّاس ما عندَ نَفسِهِ و ذلك ما لا تدَّعيهِ الضَّراغم
إنتهى.

No comments: