Pages

06 December 2018

شهادة

تحولت الإنترنت اليوم من وليد مدلل جميل نشأ في ربوع الأكاديمية العلمية و ترعرع على أذرع أهله و ذويه ليكون آلة للعلم و المعرفة إلى غابة مخيفة مليئة بشتى أنواع الظلمات و الضباع و الحشرات المميتة و أصبح على مرتادها أن يكون بعدة و أسلحة و دروع كافية ليتمكن من الولوج فيها و الوصول إلى فسحات تدر عليه دنانير المتنبي من بين أوراق الشجر الوارفة.

شاهد الحديث كل الإعلانات و النفايات، أجلكم الله، ترمى علينا فيما نحن نسير في الدرب، كل يريد غايته حقا كانت أو باطلا؛ و اليوم، ظهر إعلان على الشاشة من غير سبق إنذار و لا ترحيب، فيما أنا أبحث عن كتاب إلكتروني معين، فحواه الآتي (و سأسرد الكلام بلغته الإنكليزية الأصلية):

"I would like to meet a man who is willing to "build a life" / discover the world together and to fully enjoy the journey. That does´t mean marriage or compromising in any way"

هو إعلان يشجع على "التعارف" بغرض "العلاقات طويلة الأمد"؛ و في حين أنني شأني شأن الكثيرين، أغلق هذه الإعلانات و معها لعنات لا تنتهي، فقد جذب إنتباهي ما كتب فيه بحيث قرأته كله و قد سطر على لسان فتاة وهمية و صورة تحتها مكررة ملايين المرات في إعلانات مختلفة لحسناء تخطف قلب المتفرج التافه.

ما استوقفني هو الكلام و مغزاه و كيف أن الفكر الذي يروج له هو بالضبط حال مجمل النساء من أجيال منتصف الثمانينات و التسعينات - جيل الألفية كما يحلو للمتفيهقة أن ينعتونهم.

تريد هذه الإفتراضية رجلا يريد أن "يبني حياة" معها، بيد أن ذلك لا يعني الزواج الذي يساوي عندها تهاونا في المبادئ، و  الحقيقة أن ما كتب هنا هو بالصميم و هو بالذات الداء الذي روجت له المؤسسة الماسونية التي تحافظ على كيانات أسرها باستماتة، فيما هي تعمل بكل خُبثِ و لُؤم الّلا مبالي على هدم كيانات الأسر و المجتمعات في العالم بأسره. و لأن زواج رجل بامرأة يؤسس لبناء أسرة نظيفة، و لأن كائن الرجل هو بالتعريف و الضرورة فارغ من أي فحوى تذكر في بناء أسرة لوحده، و لأن هذه هي صنعة و مهارة و هبة تمتلكها المرأة وحدها و تحتاج لرجل كيما يؤدي إليها عنصر التفاعل البالغ الخطورة، فتصنع منه دارا و أسرة و مجتمعا و شعبا بشكل لا تقدر عليه إلا إمرأة، فإذا كان الهجوم على هوية المرأة و على تطلعاتها و بالتالي على فكرة الأسرة من الأساس و من الجذر.

المرير في الأمر أن القوم قد بلغوا ما أرادوا بنجاح ساحق على مستوى العالم بأسره، و تُركت مَعاشِر الرجال و النساء تتخبط تبحث عن هوية و عن جذور و عن أجوبة في الإلحاد و الزندقة و السفسطة الفارغة و الانحراف الخلقي و الأخلاقي و الجنسي - عفوا، نسيت أن أسميه "المثلية"، أولسنا في عالم المساواة الوهمي نلف و ندور؟! ترى مساواة من بمن و لصالح من؟!

أدلتي و شواهدي تطول و هي لا تخفى على أبسط الناس و من يعرفني منكم يعلم فوق كل ذلك أنني أتحدث بسلطة المجرب الأحكم من الحكيم ليس فقط في تَجرِبَتَي زواج، و إنما بأكثر منها صاعقة و بلاء و مرارة.

و الله إنني على يقين تام غير متزعزع أن هذا العصر عصر مظلم و نحن عليه شهود قسرا و فعلا، و أن لا جلاءَ لظُلمتِهِ ما لم يَثُر عليه الأحرار يقتلعون جذر شجرة الزقوم من أصولها. أو أن تقوم الساعة!

إنتهى.

No comments: