Pages

05 December 2018

لما عجز الكلام

حال صعب أن يعجز إنسان عن الكلام و لا يجد ملجأ في كل معاجم اللغة و هو أمها و أبوها و ابن أمها و أبيها أبا عن أجداد. و أصعب منه الأنين المستمر الذي لا يريد أن يصمت و الجمر الأحمر القاني الذي لا يريد أن يهفت أواره.

ألمسها كل ليلة كيما أنام و أصابعي محروقات بالسعير المستمر يقين البائس الذي يجد في بؤسه و شقائه أفيون لحظته و ساعته.

إن كنت تقرأين، فأنت تعلمين بالضبط ما أعني و ما أعاني - لم أحتج و لا لحظة أن أتفوه بكلمة لتفهمي ما أقول - و بعض من شقائي تقاسينه كما أقاسي، جاهدة ما حاولت تخفينه أو حتى أن تمارسي خداع الذات بأنك شريت ما كان بيننا بثمن بخس بائس إرضاء لكفة الميزان الهشة حتى تصير راجحة و أنت فيها. أو أنك أصلا أشد ألما مني - و ليكن لك ما تريدين فليس يغير أيا من هذه الأشياء من الأمر و لا قيد أنملة.  و إن كنت لا تدرين أو لا تريدين أن تدرين مغالطة، فالداء أشد فتكا و مرارة.

هذا ما أنا فيه و لا أدري أين أنت مكانا و ليس يهمني لأنك في لب الروح و سويداء الفؤاد. لهيب الضلوع و ألم العمر صرت أنت و كأنني كان يجب أن أتعلم أن هناك ما هو أمر و أقسى مما أحمل فحملني دهري موتا فوق كل الهموم. و ما كان بالحسبان أن تتكسر عندك كل صواريَّ التي عصت على عاصفات الدهر - عصت على من قبلك و كانت هي ال "هي" و على كل مرارات الدنيا و أحزانها أحملها مذ كنت إبن السبع سنين، و هاهي مكسورة مبعثرة على فيروزات شاطئك: مسألة وقت أنها تصبح هباء تذروه الرياح.

في هاجس أن ما حصل ما كان ليحدث لولا ظهر يوم شيطاني ما لاقى خطاك خطاها. لا يهم، فليس لنا نغير في برزخ الزمكان و لا حبة خردل عن مساره المقرر له و كلانا مشاه كما كان مقدرا له أن يمشيه. خطته مشيئة بارئه الذي علمك المعلم أن تكفريه و تهزئيه و ها هو في كل لحظة يضحك منك بي و يتجسد تدركه الروح و القلب و لا يراه البصر.

إنا له و إنا له راجعون رغما عن كل التفاهات و الفلسفة التي ترددين مما علمك بكل وفاء. نلتقي فيجتمع المشكو و الشاكي و الدين و ماطله. ترى في أي زاوية يهرب مني من أشكو يومها حين لا مناص؟ عندي يقين المسلم المستسلم و إليه فوضت أمري فيه و إليه أنيب و إليه أشكو بثي و حزني فهو حسبي و نعم الوكيل في كل من دق فينا إسفينا و خلع من روحي شقها ثم تركني لا ميتا و لا أقوى على الحياة.

لم أجد ملجأ إلا إهتزاز الوتر يرتجف كما الأذين كلما مر منك خاطر أو صورة أو ذكرى و ما أكثرها. لا أحتاج أكثر من أنظر في كل زاوية في حياتي لأجدك واقفة أمامي تنظرين بصمت أعلم منه كل حرف فيه بالحذافير.

إسم المقطوعة "حزن" و يا لها من اسم تلبس مسمى.




إنتهى.

No comments: