Pages

04 December 2018

فساد الرأي

أبو جعفر المنصور رحمه الله؛ شيد بغداد الدنيا و أقسم أن لا يدع للمجوس من يد في ولاية في أرض المسلمين فكان بحق المؤسس الحقيقي للدولة العباسية.


لم يتزوج إلا بواحدة لما منعه الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان من الزواج بجارية فتية ذات جمال خلاب عندما اشتكت زوجته أم موسى بنت منصور الحميرية أنه يريد الزواج بالثانية فيهجر مضجعها هي لولعه بالأخيرة فكان لما أراد النصيحة الحق أمر بالمجيء بأبي حنيفة من سجنه - حيث كان قد سجنه لعدم قبوله بمنصب قاضي القضاة خوفا من حمل الآخرة - طلبه و قال للمنافقين من مستشاريه الذين أشاروا عليه بالزواج بأن لا أحد سوى أبي حنيفة يفتيه في هذا الأمر نزيها - فسمع أبو حنيفة قول أم موسى لوحدها و سأله: لم تريد الزواج و ما شأنك بعد زواجك؟ فأجاب بولعه بالأخيرة و أنه يجدها ودودا، ولودا محبوبة لديه، فما كان رد أبي حنيفة أنه محرم عليه الزواج بالأخرى لأن شرط ذلك العدل في كل شيء بين الاثنتين و هو بكل دليل سوف لن يعدل و قضي الأمر.

ذكرتني به المساجلة المشهورة بينه و بين ابن عمه عيسى ابن موسى حين كتب للمنصور:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا رويّـة *** فإن فساد الرأي أن تتعجلا

فرد عليه المنصور:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فإن فساد الرأي أن تترددا
ولا تمهل الأعداء يومًا بغُدوة *** وبادرهم أن يملكوا مثلها غددا

و عندي ذلك هو فصل الخطاب.

يعول الناس كثيرا على الإستشارة و ذلك أمر في عين الحقيقة و الصواب؛ و لكن من الحيف و رداءة الرأي و الفعل أن تحل المشورة محل العزم و الثقة بالنفس المعجونة بالحكمة و ريازة الأمور كما ينبغي فيقضي فلان أو تقضي فلتانة على فرص الحياة التي لا تتكرر ليس إلا لإتباعهم مشورة مغلوطة، أيا كان دافع صاحبها، و دليل الأمر الخليفة المنصور رحمه الله إذ قضى على دابر فتنة المقبور أبو مسلم الخراساني عن بكرة أبيها و كانت العزة لله و لجنده و أهل الدار لا الدخيل والغريب، من غير أن ينقص ذلك من أجر عيسى ابن موسى بشيء و هو المشهور بشيخ الدولة آنذاك.

للمستشار مسؤولية جمة خطيرة جدا قلما يدركها أي منا و نحن نسدي بالنصح و المشورة لمن نحب، و في الطريق نجعل لمشاعرنا و آرائنا فيما نسأل عنه طريقا إلى الهاوية و النهاية التي تتسبب بتعاسة من نحب و نحن نحسب أننا بفعلتنا هذه نصنع في أمرهم معروفا.

قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَٰئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (قرآن كريم)
--
إنتهى.

No comments: